Sunday, 24 February 2013

ما علاقة الرغبة بالوعي وبالارادة؟



مدخل:
يعتبر الإنسان حيوانا راغبا؛ ذلك أن له حاجات بيولوجية غريزية مثله مثل الحيوانات الأخرى، لكنه يتميز عنها بالرغبة لأنه يسعى
إلى تحقيق حاجاته بأشكال وفي أوقات مختلفة، وبحسب ما يريد.
و هذا يعنى أن الرغبة لها علاقة و طيدة بالإرادة و العقل . فكيف تتحدد هذه العلاقة ؟ و هل يمكن الوعي بالرغبة و معرفة الدوافع الحقيقية لها ؟
هناك غموض كثيف يكتنف الرغبة، فهي ترتبط بالأبعاد الأساسية للإنسان؛ بجسده، وانفعالاته الوجدانية، و إرادته العاقلة. هكذا فللإنسان رغبات و جدانية و اجتماعية و جمالية و غيرها .
من هنا تحتل الرغبة مكانة هامة في حياة الإنسان، وتتجلى في مختلف مظاهر و أنماط عيشه. و الغاية الأساسية من مختلف رغبات الإنسان هي تحقيق اللذة و الراحة و البهجة. فما علاقة الرغبة بالسعادة ؟ و هل يمكن للإنسان أن يكون سعيدا بدون إرضاء جميع رغباته ؟
لمعالجة هذه الإشكالات المرتبطة بالرغبة سنتناول المحاور التالية :
- الرغبة و الحاجة .
- الرغبة و الإرادة.
- الرغبة و السعادة.
المحور الأول: الرغبة والحاجة

* تحليل نص كلاين: من الحاجة إلى الرغبة.

1- إشكال النص:
ماطبيعة الرغبة ؟ و ما علاقتها بالحاجة ؟
2- أطروحة النص :
- إن أول موضوع يتعامل معه الطفل هو ثدي أمه، فيحقق من خلاله حاجاته و رغباته معا .
أما الحاجة فتتعلق بما هو بيولوجي عضوي، في حين ترتبط الرغبة بما هو نفسي لا شعوري. هكذا فالرغبة هي حركة يقوم بها الطفل من أجل التخلص من دوافع غريزية، نفسية لا شعورية.
- ميزت صاحبة النص بين طريقتين في الإرضاع؛ الأولى تكون أقل ضبط للوقت بينما الثانية تلتزم بأوقات محددة. و ترى صاحبة النص أن كلا من الطريقتين لا تحقق للطفل جميع رغباته و دوافعه اللاشعورية . و السبب هو أن الإرضاع حينما يكون مضبوطا من حيث الوقت يلبي للطفل حاجته و لكن لا يلبي له رغبته، أما حينما يكون الإلتزام بالوقت غير مضبوط فإنه لا يلبي للطفل أيضا رغبته و لا تتمكن الأم من إزالة كل آلامه و معاناته . و يبدو أن الحل يكمن في الوسط بحيث يجب و ضع مسافة زمنية معقولة بين الرغبة و تحقيقها، لكي نتيح للطفل إزالة الدوافع اللاشعورية من خلال البكاء كلغة أساسية يعبر من خلالها الطفل عن رغباته.
- حينما لا تكون هناك مسافة بين الرغبة و تحقيقها، فإن العلاقة بين الطفل و ثدي أمه تكون علاقة تشييئية، حيث يلبي الطفل في هذه الحالة حاجته البيولوجية دون أن يتمكن من تحقيق رغباته و التخلص من دوافعه اللاشعورية. إن عدم وجود المسافة بين الرغبة و تحقيقها معناه عدم السماح للطفل بالبكاء، و في هذا قمع لوسيلته الوحيدة في التعبير عن ذاته و عن رغباته و هي لغة البكاء.
- إن إحباط رغبة الطفل بشكل معقول و غير مبالغ فيه ينعكس إيجابيا على شخصية الطفل، فيعمل على إغنائها و تثبيت عنصر الأنا لديه . كما يمكنه من التكيف مع الواقع و مواجهة قلقه من أجل البحث عن حلول لأزمته الداخلية من خلال الأنشطة الإبداعية التي يقوم بها.
3- مفاهيم النص:
الحاجة = ضرورة منبعها الأصلي هو الطبيعة ( مثل الأكل و النوم )، لكن هذه الحاجة الطبيعية تتطور بفعل تطور الثقافات.
الرغبة = هي تحويل الحاجة إلى ميل يتصل بموضوع يفتقده الإنسان و يريد الحصول عليه، كما يمكن اعتبارها ميلا نحو التخلص من شيء أو موضوع ما.
الإحباط = هو عملية تتضمن إدراك الفرد لعائق يعوق إشباع حاجة أو رغبة يسعى إلى تحقيقها.
الشخصية = هي خاصية كائن يكون شخصا أخلاقيا أو قانونيا مسؤولا، كما تمثل مجموعة من الخصائص الأخلاقية السامية التي تميز الفرد عن غيره و تشكل الجانب الأصيل من أناه .
الأنا = هي ذات فردية . و في التحليل النفسي الأنا هو الذي يحدد التوازن بين الميولات الغريزية " الهو " و الوعي الإجتماعي الموجود فينا ( الأنا الأعلى ) .
الإعلاء = حيلة دفاعية تتضمن استبدال هد ف أو حافز غريزي بهدف أسمى أخلاقيا أو ثقافيا.
4- الأساليب الحجاجية في النص:
اعتمد صاحب النص على أساليب حجاجية قائمة على العرض و التفسير، و يمكن تقديمها كما يلي :
أ- أسلوب التفسير و التحليل:
و يتضح ذلك من خلال المؤشر اللغوي " عند تحليلنا ..."، و هنا تسعى صاحبة النص الى التأكيد على أن الرغبة هي تجاوزللحاجة بحيث أنها نتاج لدوافع نفسية لاشعورية. فتحليل شخصية الراشد تبين أن له رغبة في الأم من أجل التخلص من معاناة و أزمات تتعلق بأبعاد عقلية و نفسية، و لا تقف عند مستوى الحاجات المادية اليومية البسيطة.
ب- أسلوب الملاحظة و التفسير:
تدعونا صاحبة النص إلى أن نلاحظ طريقتين من طرق الإرضاع، من أجل النظر في أثر كل واحدة منهما على شخصية الطفل؛
- الطريقة 1 : هي التي تكون أقل ضبط لزمن الإرضاع، مما يترتب عنها عدم تحقيق الطفل لجميع رغباته.
- الطريقة 2 : هي تلك التي يتم فيها الإلتزام بشكل صارم بأوقات الإرضاع، هذه الطريقة أيضا لا تمكن الأم من تحقيق رغبات الطفل، و لا تزيل عنه قلقله و معاناته النفسية.
> هكذا يبدو أن كلا من الطريقتين لا تمكنان الطفل من تحقيق رغباته. فأين يكمن الحل ؟ الجواب يأتي فيما تبقى من النص؛
ج- أسلوب الأستشهاد و التفسير :
ويتجلى في المؤشر اللغوي التالي: " لقد سمعت ..."، و مضمون ذلك أن شهادة هؤلاء الراشدين أثبتت أن علاقتهم بثدي الأم كانت علاقة تشييئية، لأن الإرضاع كان فوريا و لم تكن هناك مسافة بين الرغبة و تحقيقها، مادام أنه لم يسمح لهم بالتعبير بواسطة البكاء عن آلامهم و رغباتهم و معاناتهم. وقد كان لذلك انعكاس سلبي على شخصياتهم.
د- أسلوب الشرط :
المؤشرات اللغوية الدالة عليه هي: " إذا كان... فإن..."، و مفاده أن الإحباط غيرالمبالغ فيه لرغبة الطفل ، عن طريق وضع مسافة معقولة بين الرغبة و تحقيقها، يمكن الطفل من :
* التكيف مع الواقع الخارجي.
* القدرة على مواجهة قلقه و معاناته لوحده.
* الإعلاء من شأن الرغبة، و جعلها تتحق في موضوعات مفيدة تعود عليه بالنفع.
* إتاحة الفرصة أمام الطفل للأنشطة الإبداعية؛ الفنية و الأدبية و الرياضية ...
* تثبيت عنصر الأنا لدى الطفل؛ أي تمكينه من اكتساب شخصية مستقلة و متوازنة فكريا و نفسيا .
تحليل نص رالف لينتون:
1- إشكال النص:
كيف تتحول الحاجة إلى الملابس إلى رغبة ؟
و كيف يساهم المجتمع في خلق الرغبة ؟
2- الإجابة عن الإشكال :
يوضح لنا صاحب النص أن الملابس تمثل موضوعا لحاجة بيولوجية لدى الإنسان .
لكن وبالرغم من غياب هذه الحاجة البيولوجية نرتدي الملابس؛ و هذا يعني أن هذه الأخيرة لم تعد مجرد حاجة، بل أصبحت موضوعا للرغبة . و السبب الرئيسي الذي يقف وراء هذا التحول من الحاجة إلى الرغبة، هي ثقافة المجتمع التي هي المسؤولة بالدرجة الأولى على خلق مجموعة من الرغبات لدى الأفراد.
ومن أهم هذه الرغبات :
* الرغبة الأخلاقية:
حيث يرتبط اللباس بالحشمة و العادة و التقاليد و الأخلاق و الدين.
* الرغبة الوجدانية:
حيث تستخدم الملابس لإثارة الجنس الآخر، و كسب وده و الدخول في علاقة عاطفية معه.
* الرغبة الإجتماعية:
حيث تصبح الملابس و سيلة لإبراز مكانة الفرد الإجتماعية و موقعه في السلم الإجتماعي .
* الرغبة الجمالية:
حيث تصبح الملابس موضوعا لإشباع رغبات الفرد الجمالية، و إظهار ذوقه الجمالي، و رغبته في الحصول على إعجاب الآخرين.
المحور الثاني: الرغبة والإرادة

تحليل نص سبينوزا: الرغبة ماهية الإنسان.
+ مؤلف النص: باروخ سبينوزا، فيلسوف هولاندي، من أبرز فلاسفة القرن 17. من مؤلفاته "رسالة في اللاهوت و السياسة " و " علم الأخلاق " .
1- إشكال النص:
ما الرغبة ؟ و ما علاقتها بالإرادة ؟ و هل يمكن الوعي بها ؟
2- أطروحة النص:
تشكل الرغبة حسب سبينوزا ماهية للإنسان، إذ أنها تتجذر في أعماقه. ولذلك فهي خاصة بالإنسان لأنها ترتبط بعنصر الوعي لديه. فالرغبة هي الوعي بما نشتهيه و نريده و نسعى إليه.
و إذا كان الإنسان يعي رغباته فهو يجهل عللها الحقيقية.
3- البنية المفاهيمية للنص:
- الإرادة: هي الجهد الذي تبذله النفس من أجل المحافظة على ذاتها. فالإرادة تتعلق إذن بالتفكير العقلي وبالقدرة على الاختيار.
- الشهوة: حسب سبينوزا هي ذلك الجهد الذي يبذله الجسم والنفس معا من أجل المحافظة على الذات، والقيام بما هو ضروري من أجل استمرارها. وقد اعتبرها سبينوزا "ماهية الإنسان ذاتها".
- الرغبة: هي الشهوة المصحوبة بوعي ذاتها. أي أنها وعي الإنسان بما يشتهيه ويسعى إليه من أجل المحافظة على ذاته.
* علاقة الإرادة بالشهوة:
الإرادة هي ذلك الجهد الذي تبذله النفس(العقل) من أجل المحافظة على حياة الإنسان واستمراريتها. والشهوة هي ذلك الجهد الذي تبذله النفس والجسم معا من أجل استمرار الإنسان في الوجود. كما أن الشهوة هي ما يتحتم على الإنسان فعله لكي يبقى حيا.
هكذا فالإرادة هي في خدمة الشهوة بحيث تزودها بالوعي، وتجعلها تتحقق وفقا لتدخل العقل.
* علاقة الشهوة بالرغبة: الرغبة هي تحقيق ما يشتهيه الإنسان بشكل واع. فالعلاقة قوية بين الرغبة والشهوة. غير أن الرغبة يختص بها الإنسان من حيث أنه كائن واع بشهواته، بينما الحيوانات الأخرى لها شهوات وليس لها رغبات، لأنها تفتقد إلى الوعي. 4- حجاج النص: لتوضيح أطروحته، استخدم سبينوزا مجموعة من الآليات الحجاجية:
أ- أسلوب العرض والتوضيح:
- المؤشر اللغوي الدال عليه: { لما كانت... فهي إذن...} - مفاده: إن النفس تحافظ على وجودها بواسطة ما تحمله من أفكار. ولما كانت النفس تعي ذاتها بواسطة هذه الأفكار، فهي إذن تعي ذلك الجهد الذي تبذله من أجل المحافظة على استمرارية وجودها. ب- أسلوب التعريف والتقسيم: * التمييز بين الإرادة والشهوة:
- الإرادة = هي الجهد الذي تبدله النفس من أجل المحافظة على وجودها.
- الشهوة = هي الجهد الذي تبدله النفس والجسم معا من أجل القيام بأمور ضرورية وحتمية با لنسبة لبقاء الانسان ووجوده.
* تعريف الرغبة باعتبارها:"الشهوة المصحوبة بوعي ذاتها ".
ج- أسلوب الاستنتاج:[ لقد غدا من الثابث من خلال ما تقدم أن...]
* مضمونه: أن ما يجعل ااشيء طيبا أو خيرا هو أننا نشتهيه ونرغب فيه، وليس العكس.
هكذا نلحظ تأسيس سبينوزا للأخلاق على أساس الرغبة .
د- أسلوب المثال: [ فإذا قلنا مثلا...]
*مثال: بناء منزل.
* مضمونه: لاتقتصر علة الرغبة في بناء المنزل في السكن فقط ، باعتباره علة غائية، بل هناك علل أخرى تقف وراء هذه الرغبة، وهي علل غالبا ما نجهلها.