لهذه التدوينة جزء سابق تقرأه هنا.
يكمل المؤلفان حديثهما فيؤكدان على أن توظيف الموظفين الجدد لهو ضرب
عشواء، مهما اجتهدت فيه، جاءت النتائج غير متوقعة. ينصح المؤلفان من بحاجة
لتوظيف موظف جديد بالاعتماد على إحساسه الداخلي، فالسيرة الذاتية أصبح هناك
خبراء في صياغتها حتى لتشعر أنك ستوظف بيل جيتس أو ستيف جوبز، ثم يأتي
رامبو المزعوم فتجده يجهل حتى أساسيات اللغة، أو ربما قرأت سيرة ذاتية
هزيلة فظننت بصاحبها قلة الشأن، فتجده ذات يوم يعمل لدى منافس لك ويكلفك
الكثير.
هل سنوات الخبرة الطويلة ذات ثقل في الميزان؟ يرى المؤلفان غير ذلك، فأي
مجال تجاري اليوم يكفي من نصف السنة للسنة الكاملة لتعلمه، أما من لديه 5
أو 10 سنوات من الخبرة في مجال واحد فهذا أغلب الظن قد تجمد زمنيا ولم يعد
قادرا على تقديم المفيد لك ولشركتك. الخدعة الثانية هي الدرجات المرتفعة في
شهادة التخرج، فإذا كان المتقدم للوظيفة عبقريا للغاية كما يوحي إليك،
لماذا لم يؤسس هو شركته ويقودها، ما الذي يجعل الحاصل على الدرجة الكاملة
قادرا على عزف سيمفونية الأرباح في شركتك؟ حفظ المعلومات وإعادة سردها لا
يعني فهم السوق وطلبات العملاء.
في السياق ذاته، يحاول البعض دائما بأن يذكرك بأنه حاصل على شهادة علمية
من الجامعة الأمريكية أو الانجليزية المرموقة، خاصة الأطباء العرب، لكن
مقالة في جريدة وول ستريت سردت نتيجة إحصاء وجد أن 90% من المدراء
التنفيذيين (CEOs) في أفضل 500 شركة أمريكية حصلوا على شهادات التخرج
خاصتهم من جامعات تقليدية خارج نطاق تلك المشهورة.
ليست العبرة بالجامعة التي حصل منها على شهادة التخرج، ولا بالدرجات
الواردة في هذه الشهادة، ولا بالسيرة الذاتية، وحتى الإحساس الداخلي قد
يصيب ويخطئ، ولذا يقترح المؤلفان تجربة المتقدم الجديد، وضعه في موقعه
المنتظر، ومطالبته بتنفيذ عدة مهام من المهام التي سيؤديها إذا نال
الوظيفة، وتكون التجربة لمدة أسبوع أو شهر أو نصف السنة. لا شيء يفوق
التجربة العملية للتأكد من قدرات متقدم جديد. شركات كثيرة وكبيرة تفعل
الشيء مثله.
حتى بعدما توظف القادم الجديد، احرص على ألا يكون ممن يكلون المهام إلى
من حولهم وحسب، خاصة حين يكون فريقك صغير العدد. هؤلاء الموكلون غيرهم عبء
ثقيل لا تقدر على حمله، فهم يشغلون قنوات الاتصال في الشركة بأشياء غير ذات
فائدة، ويجعلون كل من حولهم مشغولين بأشياء لا تدر الربح أو تزيد حصتك من
السوق والعملاء. هؤلاء الموكلون لا يعيشون سوى في غرف الاجتماعات طويلة
المكوث كثيرة العدد.
في مقابل هذه المثل، ابحث عن مدير نفسه، المدير على الواحد فقط، هذا
الذي إن تركته وجدته يجد في العمل ويذلل المصاعب حتى يحقق مهمته وينفذ
مشروعه. الموظف الذي إن انشغلت عنه، وجدته لا يركن إلى الأرض أو الدردشة أو
المشاغل الخادعة، هذا ثروة يجب أن تحافظ عليها، يبحث عنهم أي فريق عمل، لا
يمثلون ثقلا كبيرا على القارب فلا يغرق بمن فيه. ينصح الكتاب كذلك باختيار
من لديه القدرة على الكتابة بأسلوب جميل ومفهوم وبسيط، فمن لديه هذه
القدرة عادة ما يكون قادرا على تنظيم وقته وقضاء مهامه ودوره.
النصيحة التالية جديدة، فهي الاعتماد على موظفين يعملون في بلاد ومدن
أخرى غير التي فيها تتمركز الشركة، وهي طريقة إدارية جديدة وفرتها ثورة
انترنت، وهي الشكل الجديد لأداء الأعمال، فمن جهة ساعدتك على الحصول على
عمالة ذات تكلفة أقل، وساعدتك كذلك لتغطية اليوم كله فالعالم – والعملاء –
لا ينام، ولديك 24 ساعة من العمل والبيع.
كما يعرج الكتاب على ضرورة معالجة الأخبار السيئة دون تأخر، ومن رأس
الهرم. الشركة التي يخرج مديرها ليعترف بوقوعهم في خطأ وعملهم على معالجته
فورا وتعويض العملاء، هو المدير القادر على الخروج بالسفينة من قلب
العاصفة. التجاهل أو التأخر أو استعمال كلمات مطاطة تحمل معنيين لا تفعل
شيئا سوى صب الوقود على النار المشتعلة. الإقرار بالخطأ والاعتراف الصريح
غير الملتوي بالذنب يساعد العملاء على مسامحة الشركة، وربما نسيان الأمر
سريعا.
يعود الكتاب لتذكيرنا بضرورة تنقل جميع العاملين في جميع الوظائف في
الشركة، فالمدراء عليهم الوقوف في الخطوط الأمامية لمعرفة ما يحدث هناك،
ويجب ألا تسود روح الغرف المغلقة، فهي تقتل أنجح الشركات. في المطاعم تقوم
الشركات بجعل الطباخين يتلقون الأوامر من رواد المطعم، وأما النادل ومدير
المطعم، فيعملون داخل المطبخ بأنفسهم، حتى يفهم كل جانب ما يمر به الجانب
الآخر، حتى لا تكون الشركة مجموعة من الجزر المعزولة وربما المتناحرة.
أخيرا، اختم بهذه النصيحة الجميلة، إذ أنه في بعض الأحيان تسيل الأرباح
لعاب المدراء، فتنسيهم جانبهم الإنساني وتجعلهم مثل النخاسين، الذين يسعدون
بإلهاب ظهور العبيد بنار أسواطهم. منتهى أمل مدراء اليوم العثور على
موظفين ذوي خبرة، شباب، غير متزوجين، مستعدين للعمل 14 ساعة في اليوم،
والنوم أسفل مكاتبهم. ما يتغافل – عمدا – عنه هؤلاء هو أن بيئة العمل هذه
لا تأتي بأي إبداع، بل هي مجرد آلة دائرة تخرج شيئا واحدا بلا تغيير. موظف
مطحون مثل هذا سيجتهد ليداري أخطائه، وسيقدم لك أقل الممكن حتى لا تشكو
منه، وستجد ديدنه المقولة الشهيرة: ليس في الإمكان أفضل من هذا.
أنت لست بحاجة لساعات عمل أطول، أنت بحاجة لساعات عمل أفضل.
حين تترك فريق العمل يرحل مبكرا، فأنت تساعده على نيل قسط أطول من الراحة،
فيستطيع العقل أن يبدع ويبتكر. العبيد لم يجعلوا شركة أفضل، بل تحصل منهم
على مؤامرات ورحيل مفاجئ وسرقة أسرار الشركة وتسريبها. لا تظن الموظف
العامل معك ضعيفا أو غير قادر على الرحيل، سيفعل، في الوقت الذي يناسبه هو،
لا أنت، ومع زيادة حدة المنافسة حاليا، ستزيد خسارة من يفكر بهذه الطريقة،
والثورات العربية الأخيرة خير واعظ!